رسالةٌ منه وإليه!
تتبعثر الأوراق بين يديه، أوراقٌ قديمة لم يفتحها منذ سنواتٍ عدة أعادتْ له شريط الذكريات... إنجازاتٌ عظيمة وشهادات مشرّفة.. فهاهي شهادةُ الثانوية التي طوت معها رحلةَ اثني عشر عاماً ...ثم تلتها شهادة تخرجه من جامعة الطب بمعدل امتياز التي حصل عليها منذ فترة قصيرة ... أما تلك الشهادة الصفراء التي نال الزمان من ورقتها ودل على قِدم إنجازها.. فهي شهادة حفظه القرآن الكريم كاملاً وهو ما زال في العاشرة من العمر .. كم كان عظيماً في صغره!... لتأتي بعدها شهادة أول دورة قد حضرها في علم النفس وتطويره ... ولم تكن تلك آخر دورة له فقد تبعتها عشرات الدورات... فمازال شغفه بنفسه واكتشافها مشتعلاً إلى يومه هذا ... وقف قليلاً يفكر في ذاته.. لقد كانت رحلة عظيمة حقق فيها ما يريد ووصل فيها إلى تلك القمة التي طالما حلم بها... لقد كان مزهواً بنفسه وبإنجازاته ...ثم تابع قلب الأوراق بين يديه حتى سقطت عينيه على مغلفٍ صغير يحمل ورقة في داخله...لم تكن ورقة عادية لتُوضع هنا بين الشهادات الكبيرة والوثائق الهامة ...أمسكها بيده، وحاول تذكرها.. لكنه فشل هذه المرة وكأنّ ذاكرته قد مسحتْ بعض الذكريات القديمة لغاية في ذاتها ... استسلم لها... وفتح هذه الورقة وبدأ بقرأتها... " إلى ذاتي المستقبلية... أكتب لكِ هذه الرسالة لتعودي في يوم من الأيام وتقرأيها من جديد.. دعيني أخبركِ... مهما طال الزمان وتغيرت الأحوال لا تتغيري أنتِ لا أريدكِ أن تضلي الطريق يا نفسي وأن تبعدي عن أهدافكِ التي رسمتها.. أريد منكِ إيماناً متجدداً وعزيمةً قوية.. أريد منكِ الثبات كما الجبال... فلا مكان للضعفاء... لا تخشي شيئاً مهما بدت الحياة ثقيلة بأيامها.. سترسل لكِ المسرات يوماً وستجرحكِ حيناً لتضمد جرحكِ أحياناً أخرى... لا أريد أن أراكِ في مكانكِ تتبعين الآخرين .. اتبعي ذاتكِ وكوني ذاتكِ في كل وقتٍ وحين ... أعتقد أنكِ قد أنجزتِ الكثير في طريقكِ لكن ما زال هناك الكثير والكثير... فالرحلة لم تنتهي ... ولا تنهِها أنتِ باستسلامكِ في منتصف الطريق .. علمكِ سيلازمكِ دائماً ولن يقف عند شهادة معينة أو رتبة مرموقة ... أريدكِ وقد حققتِ أهدافكِ التي كانت في ذاتكِ حيناً من الزمن ...وقد نضجتْ أفكاركِ و كبر معها فهمكِ لكل الأحداث من حولكِ... واصلي المضي قدماً نحو الذي أريده أن تكوني عيله... وإن طال المسير... اطلبي المدد والعون من خالقكِ ولن يردكِ خائبة ...أتمنى أنكِ الآن وأنتِ تقرأين هذه الرسالة قد حققتِ كل ما ذكرته سابقاً .... ذاتكِ القديمة تنتظر منكِ المزيد لتكوني أفضل دائماً لذا من فضلكِ لا تخيبي ظنها... كل الود لكِ." تلك الرسالة التي قد كتبها لذاته منذ سنوات مضت.. أعاد قراءة كلماتها مراراً وتكراراً ...ففي كل مرة يعيد ترتيب ماضيه ويخاطب ذاته ...أتراه قد حقق طموحه ووصل إلى مبتغاه.. أم أنه ما زال يجري وراء أشياء لا تعنيه! .. عاتب ذاته حيناً وشكرها حيناً أخرى لما قدمته له... شغلت تلك العبارات جُل تفكيره... وأعادت له ضجيج أفكاره... وبثتْ روح العمل لتحقيق أهدافه كلها .. ليعلن عن ميلادٍ جديد .. ويصل إلى أفضل نسخةٍ من ذاته... فهو قادرٌ على تقديم المزيد... وإعلان النصر في معركة الحياة.